2013/07/05

الانقلاب الثوري علي اليمين المتطرف







مع تحليق طائرة هيلكوبترا عسكرية يوميا طوال الأسبوع الماضي فوق منزلي الواقع بالقرب من المقر التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين، يوجد طائرة خيالية تحلق في رأسي يعصف ضجيجها بسلامة جهازي العصبي ويقلب مشاعري وأفكاري لتشمل الشئ وعكسه تجاه الأحداث السياسية في مصر، باختصار هذا حال الكثير من المصريين، إلا من عصم ربي، مع هذا الاضطراب تصبح وضع أفكاري علي ورق، مهمة شبه انتحارية، ولكن دعني أبدأ المهمة في عجالة، ربما أعالج أول خطأ ارتكبته في الثورة الأولي، وهو الصمت وترك اللعبة السياسية لمعارضة "لم تمثلنا"، وجماعة الإخوان المسلمين المنقلبة علي ثورة 25 يناير.

إرهاصات الثورة الجديدة

عام كامل قضاه المصريون تحت حكم أول رئيس مدني منتخب، في سياق "غير ديمقراطي" تمثل في تخيرهم بين مرشح ينتمي لنظام ثاروا عليه، وبين شخص مجهول لدي أغلبية الشعب، رشحته جماعة اليمين المتطرف- الإخوان في اللحظة الأخيرة بديلا عن فتاها الأول "خيرت الشاطر"، وربح مرسي الانتخابات بأصوات معارضي النظام السابق الذين تغاضوا عن مخاوفهم من أن يحكم اليمين المتطرف مصر في مقابل ألا يعود النظام السابق إلي سدة الحكم مرة أخري.

"رئيسا لكل المصريين" وعد لم يطق صبرا الرئيس اليميني المتطرف أن ينفذه أو يلتزم به طوال 12 شهرا مدة سيطرته علي السلطة، وتجلي ذلك سياسيا للثوار والمهتمين بالشأن السياسي في أداء البرلمان ووضع الدستور، وتشكيل حكومات، ولكن هل خرج المصريون في ثورة يوينو بسبب انشغال مرسي عن تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، بتمكين اليمين المتطرف من مفاصل الدولة، بالطبع لا، فالمصريون لا يحركهم للثورة ضد حاكمهم عادة دافع سياسي، لذا فإن ما استنفر ملايين المصريين من "الكتلة المحايدة غير المسيسية" تمثل في خراب اقتصادي حل علي البلاد، طال الفقير والغني وما بينهما، مع حملة تكفيير لجميع أطياف الشعب  سمح بها هذا النظام اليميني من خلال قنوات مؤيدة له، وما يؤكد علي أن المزاج العام للمصريين أصبح أكثر إحباطا في ظل حكم مرسي، ما جاء في دراسة أجراه مركز بيو العالمي بأن حالة عدم الرضي بلغت نسبتها إلي 62% من المصريين في عام 2013، مقارنة  ب 34% في عام 2011.

منذ نوفمبر 2012 والطغيان عمي جماعة اليمين المتطرف وأتباعه، نشوه الحكم أسكرتهم وغيبتهم عن أي نداء عاقل بتصحيح المسار والعودة إلي أهداف الثورة، تغافل رئيسهم عن رؤية الملايين المناهضة لإعلانه الدستوري، في نفس الوقت الذي خرج يلوح بالنصر لأتباعه أمام القصر الرئاسي، قٌتل وعٌذب الشباب نساء ورجال في موقعة الاتحادية علي اعتاب مكتبه الرئاسي، وبدل أن يطالب بتحقيقات ومعاقبة من تجرأ من مليشياته علي فعل ذلك، خرج يتهم أناس بأعينهم، وهو ما أفرجت عنه النيابة العامة بعد ذلك، إن ما فعله مرسي لتقسيم الشعب لا يكفيه مجلدات، وأنا هنا أشير للمحة منها فقط للتذكرة بتسلسل الأحداث التي أدت إلي ثورة يوينو.

كيف تعامل اليمين المتطرف مع ميراث مبارك ؟

لم تبتكر جماعة اليمين المتطرف- الإخوان، لفظ "فلول" من فراغ، لأنها تدرك جيدا أنها ستتحالف مع أجهزة نظام مبارك دون عقاب الفاسدين فيها، أوإعادة هيكلتها، ولكن في نفس الوقت أصبح المصطلح عصا في يد الجماعة ومتكرر في خطاب رئيسها يحملهم كل أخطاء حكمهم، وعرقلة مشروعه الوهمي المسمي "النهضة"، 
وفي النهاية تحالف مرسي مع من أسماهم فلول في حكومته، في أجهزة الدولة الأمنية الشرطة والجيش، وكرمهم، وبدل من أن يحقق نظامه "العدالة الانتقالية" التي تتعلق بالقصاص من الفاسدين في النظام السابق، وبعدها يعيش المجتمع دون حروب مع كل من له انتماء أو مصالح مع نظام مبارك، اتجه إلي هدم ما بقي من أجهزة الدولة بناء علي هذا المصطلح المبتك مثل معركته الوهمية مع القضاء، مما أدي إلي خلق من فاسدي النظام السابق أبطال قوميين مثل النائب العام عبد المجيد محمود.

هل انقلب الجيش علي مرسي؟

دعنا نعترف أن ثورة 25 يناير فشلت، لم يصل من قام بهذه الثورة إلي الحكم، لم تتخذ أي إجراءات استثنائية ضد الفاسدين من نظام مبارك، لم يتوقف نزيف الدم المصري بسبب الاستبداد السياسي أو فساد الشرطة، وعن الوضع الاقتصادي المتردي قبل الثورة لنسبة تزيد عن نصف المصريين زاد سوءا، وضف إلي كل ذلك سيناء التي أصبحت في عهد اليمين المتطرف جنة الإرهابيين، وكان الجيش في كل هذا خارج المشهد السياسي، ولكنه بداخل معادلة استمرار نزيف دماء جنوده في سيناء، يري انهيار محقق للدولة تحت حكم اليمين المتطرف، وبالرغم من أن المجلس العسكري لم تكن إداراته للمرحلة الانتقالية جيده، مرتكبا أخطأ يجب محاسبته عليها، إلا إن الجيش أكثر مؤسسة متماسكة في مصر وتحظي بقبول المصريين وفقا للاستطلاع الذي أشرت له في السابق.

 وبالرغم من موقف أوباما الديمقراطي- وهو ليس موقف كل مؤسسات الدولة الأمريكية- المناهض لإنقلاب الشعب علي مشروع الاستيطان الإخواني، إلا إن كانت هناك تقارير أمريكية تخرج من المراكز البحثية  مؤخرا لدعم التعاون مع جنرالات الجيش في ظل انقسام الدولة علي يد مرسي من أجل الحفاظ علي مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وخاصة إسرائيل، في قراءة مستقبلية لتعنت الرئيس المعزول مع كافة معارضيه ودخوله في خصومه مع أجهزة الدولة.

لذا لزم التنويه والتأكيد علي أن الجيش انحاز لإنقاذ الدولة المصرية، قد اتفق مع كثيرين من الثوريين أن العسكر لن ينحاز لثورة بحكم  قراءة التاريخ، ولكن أخف الضررين هو ألا تسقط الدولة، وهو المصير المحتم الذي كانت تسير عليه مصر علي يد الجماعة الفاشية المتطرفة، لقد اخفقت ثورتنا السابقة، ولكن قمنا بثورة جديدة : ثوريين وكتلة محايدة، وأنصار نظام سابق بثورة جديدة، ويجب أن نتلافي الأولي، ونتوحد خلف الجيش، لم أكن أن أتصور أن أقول هذه الجملة، وأنا من هتفت "يسقط حكم العسكر" طوال عام ونصف من حكمه، ولكن لا ثابت في السياسة، ومقتضيات الواقع تتطلب أن ندرك خطة اليمين المتطرف لاغتيال المؤسسة العسكرية معنويا، تمهيديا لعمليات إرهابية في ربوع مصر.

هل ضلت الثورة الجديدة عن المسار الديمقراطي؟

مرسي ليس رئيسا عاديا في دولة راسخة ديمقراطيا، كنا نستطيع أن نتخلص منه بالصندوق الانتخابي في جولة قادمة، فهو رئيس قدم بعد ثورة كان يجب أن ينتصر لمبادئها، يستوعب جميع الأطياف السياسية، وبدل من ذلك عمد إلي هدم ما بقي من مؤسسات الدولة، مقصيا من لا ينتمي إلي تياره اليميني المتطرف، لذلك تجد أن أسباب خروجنا علي مبارك، تتطابق مع مثيلتها في خروجنا علي مرسي، ولا يشفع له أنه انتخب بآلية ديمقراطية، ولكن تعجل بخروجه لأن الديمقراطية ليست الصندوق، فهي مؤسسات وآليات عملية تتمثل أولها في مبدأ سيادة القانون، وهو ما أطاح به الرئيس المنتخب، أخيرا الثورة ستنجح إذا لم نترك الميدان، وتمسكنا بدعم الجيش، وانعقاد مصالحة وطنية لترويض اليمين المتطرف وانخراطه في الدولة الجديدة الديمقراطية التي تستوعبنا جميعا، مع القصاص للشهداء والفاسدين في الشرطة والجيش.

"الديمقراطية غايتنا وليست وسيلتنا "




2013/04/23

المنسيون:ذاكرة الجسد






"ينساه الجميع...ولا يتذكره أحد سوي أبيه أو أمه أو زوجته" هكذا رد صديقي الفلسطيني علي سؤالي عن أحوال الأسري في السجون الإسرائيلية، كلمات مقتضبة أوجعتني وهدمت الصورة التي رسمتها عن تضامن الشعب مع أبطاله الحقيقين، ولكن عندما خلعت نضارة الرومانسية الثورية، وعدت إلي تفاصيل الحياة اليومية الواقعية، أدركت أن معركة الثورة كلما طال أمدها، كثر شهدائها ومنسيها ومستفيدينها أيضا، وفي النهاية الصنف الآخير هو القادر علي العيش، والأول ارتاح من الحياة، وبقي المنسيون، أسري في سجون الصهاينة، ونشطاء ومواطنون في سجون الإخوان وقبلهم العسكر.

بداية معرفتي بقضية الأسري، كانت في زيارتي الأولي للضفة الغربية شتاء 2012، حيث التقيت بصديق قضي أعوام في سجن عوفر، الذي يعتبره الفلسطينيون أسوأ السجون الإسرائيلية، هذا السجن القابع في غرب رام الله، رأيته أثناء عبوري من رام الله إلي مدينة سلفيت، كل ما رأيت منه أسلاك شائكة، وأسوار عالية، تحيط بمن قادهم حظهم العاثر للاحتجاز في جوانتانمو إسرائيل.

قبل 4 أشهر من نزولي في فلسطين، شرع سامر العيساوي  في إضرابه عن الطعام في أغسطس 2012، غادرت بلادهم وغزة تقصف محملة ببعض القصص عن فلسطينين قضوا أعواما أو شهورا في سجون الاحتلال، التي لا تفرق سلطاته بين طفل وشاب، إمراة ورجل، لكل نصيبه من السجان، هكذا عرفت من صديقي سعيد من مخيم قلنديه الذي قبع في سجونهم لفترة، وهو الذي لم يتجاوز ال18 عام مهدد كل فترة باستدعائه مرة أخري تارك أمه ورائه في كل مرة لا يعلم إذا كان سيعود لها أم لا.

9أشهر، أطول معركة للأمعاء الخاوية في التاريخ، خاضها هذا البطل الفلسطيني الذي عادت ما ينُسي، مع تفاصيل الحياة الصغيرة في ظل حقيقة أنك تعيش تحت احتلال، ولكن العيساوي أنعش ذاكرة شعبه الفلسطيني، بل وذاكرة شعوب العالم، لتجد حملات دولية مدشنة للتضامن معه تنشر قضيته بلغات العالم "مدعي التحضر"، مفداها " لن أقبل بالسجن مرة أخري حتي عام 2029 لأنني قررت التنقل بين أرجاء وطني دون التقييد بحدود  رسمها الصهاينة لي".

العيساوي الذي اعتقل في  2002 وحكم عليه بالسجن 26 سنة لنشاطاته العسكرية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثم افرج عنه في اطار صفقة الجندي جلعاد شاليط في 2011، قبل ان يعتقل مجددا في يوليو الماضي في رام الله انتهاك شروط الافراج عنه، سيظل فصلا هاما في تاريخ سطره الأسري الفلسطينين انتزعوا خلاله حقهم في التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الحقوق الإنسانية من ذلك الاحتلال العنصري عبر تنظيمهم إضرابات عديدة.

قصص وبطولات الأسري بدأت معي بقصة العيساوي وأنا في فلسطين، واستمرت بلقائي في القاهرة أسري خروجوا في صفقة تبادل جلعاد شاليط، وأنا أنصت إليهم أدرك مدي نطاعة بعض المصريين عندما يتفاخرون بتاريخ مضي قدموا فيه الكثير لشعب فلسطيني لم يقدر الجميل، نطاعه مصدرها جهل بحاضر وتاريخ "شعب الجبارين" الفلسطيني الذي أفني الكثير من رجاله ونسائه أجمل سنوات شبابهم داخل سجون الصهاينة، فصديقي هذا اعتقل في مقتبل العشرينات ليخرج في منتصف الثلاثينات، وحتي لما خرج فهو مقيد بأرض جغرافية بعيدة عن أهله وبيته، يعيش غريبا في بلده، ويقرر أغلبهم السفر غربا بعد أن يدرك حقيقة أن السجن اتسع ليصبح وطنا.

في كل بلد عربي يوجد آلاف سامر العيساوي، قابعون خلف سجون حقيقية وأخري افتراضية سجناء أنظمة سياسية ديكتاتورية واجتماعية مستبدة، علينا أن نظهر لنا تضامنهم، ولا ننساهم، فهم الذاكرة الحقيقية لأوطاننا، فالتاريخ لن يذكر معركتي في الحصول علي الوظيفة، أو حصولي علي شقة، التاريخ سيذكر هؤلاء الذين ثاروا ودفعوا الثمن لهدم أنظمة قتلت كرامة وعقل المواطن العربي، الثورة أبدا لم تكن مؤامرة أمريكية، فالثورة حق، لأن الظلم طغي، والحق اليوم انتصر بإرادة العيساوي علي الكيان الصهيوني، وسنحتفل جميعا بخروجه في نهاية العام الحالي، الذي ربما أيضا يشهد نهاية خروج المستبدين الجدد من الربيع العربي، أو علي الأقل اهتزاز عروشهم الخاوية
.

"ولنا في سامر العيساوي قدوة...سيخرج حسن مصطفي من سجون الإخوان"



2013/01/28

من جمعة الغضب ....إلي أثنين القهر


كنا نريد وطناً نموت من أجله، صار لنا وطناً نموت علي يده"
28 يناير 2011

"إيد واحدة"

حنجرتي خُلقت من أجل هذا اليوم، هكذا غمرني هذا الشعور وأنا بٌح صوتي هتافا في أول مظاهرة أشارك فيها بحياتي، مسيرة بدأت بمئات عقب صلاة الجمعة بمسجد السلام بمدينة المنصورة، لتضم آلاف لتصل إلي عشرات الآلاف تجوب شوارع المدينة تهتف "الشعب يريد سقوط النظام"، وصولا إلي ميدان ديوان المحافظة، حتي الرابعة والنصف عصراً، محاطين بعربات الأمن المركزي من كل جانب، يلوح لهم البعض "الشرطة والشعب إيد واحدة"، ابتسامات تأتي من بعض الضباط المتواجدين في فتاحات العربات، الأعداد تتزايد، وتتنوع بين كبار السن وشباب، نساء ورجال من كافة الاعمار.

أسال نفسي دوما هل مازال الطفل الرضيع التي حملت أمه بجواري علي قيد الحياة؟!، بعد الدقيقة التي أعقبت الرابعة والنصف حيث أصاب صمودنا وهتافتنا سعار الشرطة، لتدوسنا العربات بشكل هستيري المتظاهرين، مصوبين في اتجاهنا قنابلهم ورصاصهم، ملاحقينا في الشوارع الجانبية، وفي مداخل العمارات التي استنجدنا بسكانها.

لحظات رعب خالصة، عشتها مختبئة مع غرباء عني بإحدي الشقق وأنا أري من الطابق العلوي، مدينتي تحترق، وشعبها يطارد في شوارعها يردونه قتيلاً، رعب مما أصاب الأم وطفلها، والسيدة العجوز التي هتفت ورائي، وبنت خالتي التي تفرقت عني في فرار المتظاهرين.

علاقتي بالأمن المركزي سٌطرت في جمعة الغضب، في ذلك المشهد الذي حاولت فيه التسلسل من الشوارع الجانبية المظلمة، لأجد عسكري يركض ورائي، ملوحا تجاهي بهرواته، علاقة جعلتني من جمعة الغضب في 2011 إلي أثنين القهر 2013، أنظر في عين كل عسكري أراه في عربة ترحيلات أو صف في المظاهرات، أبحث عن تلك الشخصية الإنسانية التي قتلها زبانية نظام مبارك بداخله ليخلقوا بداخله هذا الوحش الراكض ورائنا.
_______________________________________
"إيد وسخة"
28 يناير 2013

الخروج للمرة الأولي، كان لغضب بعد سنوات الركود، فيما خرجنا هذا اليوم لغضب بعد عامين من خيبة الأمل والجزع من قطاع طريق تسلموا من قطاع طريق وطن بأكمله، مسيرة السيدة زينب جاءت منفذ لطاقتنا، خرجنا جبنا الشوارع، يدي في يدها صديقتي آيه، نهتف بسقوطه وبحق من ماتوا علي يده، رأيت الجميع هذه المرة أيضا، ولكنها عكس مظاهرتي الأول، معظمها وجوه مألوفة، رفقاء احتجاج بداوم كامل منذ عامين، قطعنا شوارع جانبية ممتدة في منطقة السيدة زينب، وصولا إلي مستشفي القصر العيني الفرنساوي، مروراً بكورنيش النيل، المسيرة التي تضم عشرات الآلاف تتقطع علي الكورنيش، لنجد أنفسنا في مواجهة عساكر الأمن المركزي باتجاه شارع السفارة الأمريكية المطل علي الكورنيش.

هدوء حذر يخيم علي مدخل ميدان التحرير باتجاه فندق شبرد، قوات الأمن سمحت للمسيرة بالمرور، وعساكر الأمن يحيونا، احتكاك من جانب متظاهرين وأشكال ضالة تلقي الحجارة علي عربات الأمن، البعض يصرخ في الجنود "قتلتونا من الصبح ضرب"، وآخر يحاول تهدئتهم بأنه "غلابه مثلهم"، احساسي بأن الاشتباك وشيك جعلني انسحب باتجاه فندق الفورسيزون علي الكورنيش، ولكن لم يسعفني الوقت، إذا قام المتظاهرون بإلقاء مولتوف علي عربات الأمن التي سرعان من اتجهت لدهس الجميع، في إعادة لإنتاج مشاهد جمعة الغضب 2011.

"لقد وقعنا في الفخ"، هكذا حدثت نفسي عن وجدتني محتجزة في جراج عمارة تقع بين منطقة اقتتال قوات الأمن المركزي والمتظاهرين، دفعنا إليها شخص، حيث وجدتني أركض باتجاه قوات الأمن المركزي الذين رفضوا وجودنا في الشارع ثم سرعان ما تراجعوا إلي الخلف مع اشتداد ضربات المولتوف.

أكثر من ساعتين، تسمع دوي طلقات نار وقنابل، وتختنق بأخري ألقيت بجوار الجراج، ومع هذا كان عندي يقين بأنني سأخرج، محاولات عبثية من جانب الشخص الذي دفعنا إلي داخل الجراج، لإقناعي بالخروج معه في ظل المعركة الطاحنة الدائرة، ولكن زملائي علي التليفون شددوا علي مكوثي إلي حين انتهاء القتال، تبين في وقت لاحق أن هذ الشخص مخبر، دفعنا إلي الجراج في البداية لتسلمينا إلي قوات الأمن، ولكنه فوجئ بوجود شخصين يعملان بداخله.

بعد تدخل العديد من النشطاء في مفاوضات مع وزارة الداخلية، بأن تتسلم قوات الأمن لواء أنقذه المتظاهرين من عربة أمن مركزي محترقة مقابل تسليمنا، جاء إلينا لواء شرطة، وحاول إخراجنا، باعتبارنا صحفيات وليس متظاهرات، وهي المحاولة التي قابلها الجنود باعتداء بالضرب علي صديقتي، وتحرش بي، بينما يصرخ فيهم اللواء بالابتعاد عنا لحين هربنا منهم إلي مدخل عمارة.
حاول إخراجنا مرة أخري، هذه المرة خلعت الشال الفلسطيني الذي ارتديته في المرة الأولي لحمايتي من الغازات، لاعتقادي بأنه سبب لهم هياج باعتباري من المتظاهرين الكفار الذي يحل سبي نسائهم واغتصابهم، فيما يصرخ فيهم الضابطان ومعنا الولد الصغير الذي كان يبكي خوفا، "صحفيات، اعتبروهم أخواتكم، عيب اللي بتعملوه ده"، في هذه اللحظات فقدت كل ثقتي السابقة بأننا سننجو، مخيلتي بأنهم سيفتكوا بنا، ولا منجي لنا من إيديهم ولو تدخل وزير الداخلية، وفي النهاية نجونا.

علاقتي بوطني سُطرت من جديد، أمس، بعد أن وجدتني بين فئتين تقتلين، بينهم أناس أخلصوا لثورتهم، التي خانها الجميع وارتزق من جسدها، قُطعت الأوصال بفعل يدك سيدي الرئيس محمد مرسي، وحدت الفلول والثوار ضدك، عقدت صفقتك مع نظام سابق صار دائم علي يدك بعد وعدهم بالإفلات من العقاب مقابل، تسلمك السلطة، حقا الإخوان سلبوا مني وطني!.

"لا أحد يرمي بنفسه إلي البحر دون وجهة واضحة، إن لم يكن القهر قد ألقي به"
*عدلت شهادتي - بعد تأكدي من معلومات من أصدقائي متواجدين في موقعة الاشتباك مساء السبت