2013/01/28

من جمعة الغضب ....إلي أثنين القهر


كنا نريد وطناً نموت من أجله، صار لنا وطناً نموت علي يده"
28 يناير 2011

"إيد واحدة"

حنجرتي خُلقت من أجل هذا اليوم، هكذا غمرني هذا الشعور وأنا بٌح صوتي هتافا في أول مظاهرة أشارك فيها بحياتي، مسيرة بدأت بمئات عقب صلاة الجمعة بمسجد السلام بمدينة المنصورة، لتضم آلاف لتصل إلي عشرات الآلاف تجوب شوارع المدينة تهتف "الشعب يريد سقوط النظام"، وصولا إلي ميدان ديوان المحافظة، حتي الرابعة والنصف عصراً، محاطين بعربات الأمن المركزي من كل جانب، يلوح لهم البعض "الشرطة والشعب إيد واحدة"، ابتسامات تأتي من بعض الضباط المتواجدين في فتاحات العربات، الأعداد تتزايد، وتتنوع بين كبار السن وشباب، نساء ورجال من كافة الاعمار.

أسال نفسي دوما هل مازال الطفل الرضيع التي حملت أمه بجواري علي قيد الحياة؟!، بعد الدقيقة التي أعقبت الرابعة والنصف حيث أصاب صمودنا وهتافتنا سعار الشرطة، لتدوسنا العربات بشكل هستيري المتظاهرين، مصوبين في اتجاهنا قنابلهم ورصاصهم، ملاحقينا في الشوارع الجانبية، وفي مداخل العمارات التي استنجدنا بسكانها.

لحظات رعب خالصة، عشتها مختبئة مع غرباء عني بإحدي الشقق وأنا أري من الطابق العلوي، مدينتي تحترق، وشعبها يطارد في شوارعها يردونه قتيلاً، رعب مما أصاب الأم وطفلها، والسيدة العجوز التي هتفت ورائي، وبنت خالتي التي تفرقت عني في فرار المتظاهرين.

علاقتي بالأمن المركزي سٌطرت في جمعة الغضب، في ذلك المشهد الذي حاولت فيه التسلسل من الشوارع الجانبية المظلمة، لأجد عسكري يركض ورائي، ملوحا تجاهي بهرواته، علاقة جعلتني من جمعة الغضب في 2011 إلي أثنين القهر 2013، أنظر في عين كل عسكري أراه في عربة ترحيلات أو صف في المظاهرات، أبحث عن تلك الشخصية الإنسانية التي قتلها زبانية نظام مبارك بداخله ليخلقوا بداخله هذا الوحش الراكض ورائنا.
_______________________________________
"إيد وسخة"
28 يناير 2013

الخروج للمرة الأولي، كان لغضب بعد سنوات الركود، فيما خرجنا هذا اليوم لغضب بعد عامين من خيبة الأمل والجزع من قطاع طريق تسلموا من قطاع طريق وطن بأكمله، مسيرة السيدة زينب جاءت منفذ لطاقتنا، خرجنا جبنا الشوارع، يدي في يدها صديقتي آيه، نهتف بسقوطه وبحق من ماتوا علي يده، رأيت الجميع هذه المرة أيضا، ولكنها عكس مظاهرتي الأول، معظمها وجوه مألوفة، رفقاء احتجاج بداوم كامل منذ عامين، قطعنا شوارع جانبية ممتدة في منطقة السيدة زينب، وصولا إلي مستشفي القصر العيني الفرنساوي، مروراً بكورنيش النيل، المسيرة التي تضم عشرات الآلاف تتقطع علي الكورنيش، لنجد أنفسنا في مواجهة عساكر الأمن المركزي باتجاه شارع السفارة الأمريكية المطل علي الكورنيش.

هدوء حذر يخيم علي مدخل ميدان التحرير باتجاه فندق شبرد، قوات الأمن سمحت للمسيرة بالمرور، وعساكر الأمن يحيونا، احتكاك من جانب متظاهرين وأشكال ضالة تلقي الحجارة علي عربات الأمن، البعض يصرخ في الجنود "قتلتونا من الصبح ضرب"، وآخر يحاول تهدئتهم بأنه "غلابه مثلهم"، احساسي بأن الاشتباك وشيك جعلني انسحب باتجاه فندق الفورسيزون علي الكورنيش، ولكن لم يسعفني الوقت، إذا قام المتظاهرون بإلقاء مولتوف علي عربات الأمن التي سرعان من اتجهت لدهس الجميع، في إعادة لإنتاج مشاهد جمعة الغضب 2011.

"لقد وقعنا في الفخ"، هكذا حدثت نفسي عن وجدتني محتجزة في جراج عمارة تقع بين منطقة اقتتال قوات الأمن المركزي والمتظاهرين، دفعنا إليها شخص، حيث وجدتني أركض باتجاه قوات الأمن المركزي الذين رفضوا وجودنا في الشارع ثم سرعان ما تراجعوا إلي الخلف مع اشتداد ضربات المولتوف.

أكثر من ساعتين، تسمع دوي طلقات نار وقنابل، وتختنق بأخري ألقيت بجوار الجراج، ومع هذا كان عندي يقين بأنني سأخرج، محاولات عبثية من جانب الشخص الذي دفعنا إلي داخل الجراج، لإقناعي بالخروج معه في ظل المعركة الطاحنة الدائرة، ولكن زملائي علي التليفون شددوا علي مكوثي إلي حين انتهاء القتال، تبين في وقت لاحق أن هذ الشخص مخبر، دفعنا إلي الجراج في البداية لتسلمينا إلي قوات الأمن، ولكنه فوجئ بوجود شخصين يعملان بداخله.

بعد تدخل العديد من النشطاء في مفاوضات مع وزارة الداخلية، بأن تتسلم قوات الأمن لواء أنقذه المتظاهرين من عربة أمن مركزي محترقة مقابل تسليمنا، جاء إلينا لواء شرطة، وحاول إخراجنا، باعتبارنا صحفيات وليس متظاهرات، وهي المحاولة التي قابلها الجنود باعتداء بالضرب علي صديقتي، وتحرش بي، بينما يصرخ فيهم اللواء بالابتعاد عنا لحين هربنا منهم إلي مدخل عمارة.
حاول إخراجنا مرة أخري، هذه المرة خلعت الشال الفلسطيني الذي ارتديته في المرة الأولي لحمايتي من الغازات، لاعتقادي بأنه سبب لهم هياج باعتباري من المتظاهرين الكفار الذي يحل سبي نسائهم واغتصابهم، فيما يصرخ فيهم الضابطان ومعنا الولد الصغير الذي كان يبكي خوفا، "صحفيات، اعتبروهم أخواتكم، عيب اللي بتعملوه ده"، في هذه اللحظات فقدت كل ثقتي السابقة بأننا سننجو، مخيلتي بأنهم سيفتكوا بنا، ولا منجي لنا من إيديهم ولو تدخل وزير الداخلية، وفي النهاية نجونا.

علاقتي بوطني سُطرت من جديد، أمس، بعد أن وجدتني بين فئتين تقتلين، بينهم أناس أخلصوا لثورتهم، التي خانها الجميع وارتزق من جسدها، قُطعت الأوصال بفعل يدك سيدي الرئيس محمد مرسي، وحدت الفلول والثوار ضدك، عقدت صفقتك مع نظام سابق صار دائم علي يدك بعد وعدهم بالإفلات من العقاب مقابل، تسلمك السلطة، حقا الإخوان سلبوا مني وطني!.

"لا أحد يرمي بنفسه إلي البحر دون وجهة واضحة، إن لم يكن القهر قد ألقي به"
*عدلت شهادتي - بعد تأكدي من معلومات من أصدقائي متواجدين في موقعة الاشتباك مساء السبت