2013/04/23

المنسيون:ذاكرة الجسد






"ينساه الجميع...ولا يتذكره أحد سوي أبيه أو أمه أو زوجته" هكذا رد صديقي الفلسطيني علي سؤالي عن أحوال الأسري في السجون الإسرائيلية، كلمات مقتضبة أوجعتني وهدمت الصورة التي رسمتها عن تضامن الشعب مع أبطاله الحقيقين، ولكن عندما خلعت نضارة الرومانسية الثورية، وعدت إلي تفاصيل الحياة اليومية الواقعية، أدركت أن معركة الثورة كلما طال أمدها، كثر شهدائها ومنسيها ومستفيدينها أيضا، وفي النهاية الصنف الآخير هو القادر علي العيش، والأول ارتاح من الحياة، وبقي المنسيون، أسري في سجون الصهاينة، ونشطاء ومواطنون في سجون الإخوان وقبلهم العسكر.

بداية معرفتي بقضية الأسري، كانت في زيارتي الأولي للضفة الغربية شتاء 2012، حيث التقيت بصديق قضي أعوام في سجن عوفر، الذي يعتبره الفلسطينيون أسوأ السجون الإسرائيلية، هذا السجن القابع في غرب رام الله، رأيته أثناء عبوري من رام الله إلي مدينة سلفيت، كل ما رأيت منه أسلاك شائكة، وأسوار عالية، تحيط بمن قادهم حظهم العاثر للاحتجاز في جوانتانمو إسرائيل.

قبل 4 أشهر من نزولي في فلسطين، شرع سامر العيساوي  في إضرابه عن الطعام في أغسطس 2012، غادرت بلادهم وغزة تقصف محملة ببعض القصص عن فلسطينين قضوا أعواما أو شهورا في سجون الاحتلال، التي لا تفرق سلطاته بين طفل وشاب، إمراة ورجل، لكل نصيبه من السجان، هكذا عرفت من صديقي سعيد من مخيم قلنديه الذي قبع في سجونهم لفترة، وهو الذي لم يتجاوز ال18 عام مهدد كل فترة باستدعائه مرة أخري تارك أمه ورائه في كل مرة لا يعلم إذا كان سيعود لها أم لا.

9أشهر، أطول معركة للأمعاء الخاوية في التاريخ، خاضها هذا البطل الفلسطيني الذي عادت ما ينُسي، مع تفاصيل الحياة الصغيرة في ظل حقيقة أنك تعيش تحت احتلال، ولكن العيساوي أنعش ذاكرة شعبه الفلسطيني، بل وذاكرة شعوب العالم، لتجد حملات دولية مدشنة للتضامن معه تنشر قضيته بلغات العالم "مدعي التحضر"، مفداها " لن أقبل بالسجن مرة أخري حتي عام 2029 لأنني قررت التنقل بين أرجاء وطني دون التقييد بحدود  رسمها الصهاينة لي".

العيساوي الذي اعتقل في  2002 وحكم عليه بالسجن 26 سنة لنشاطاته العسكرية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثم افرج عنه في اطار صفقة الجندي جلعاد شاليط في 2011، قبل ان يعتقل مجددا في يوليو الماضي في رام الله انتهاك شروط الافراج عنه، سيظل فصلا هاما في تاريخ سطره الأسري الفلسطينين انتزعوا خلاله حقهم في التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الحقوق الإنسانية من ذلك الاحتلال العنصري عبر تنظيمهم إضرابات عديدة.

قصص وبطولات الأسري بدأت معي بقصة العيساوي وأنا في فلسطين، واستمرت بلقائي في القاهرة أسري خروجوا في صفقة تبادل جلعاد شاليط، وأنا أنصت إليهم أدرك مدي نطاعة بعض المصريين عندما يتفاخرون بتاريخ مضي قدموا فيه الكثير لشعب فلسطيني لم يقدر الجميل، نطاعه مصدرها جهل بحاضر وتاريخ "شعب الجبارين" الفلسطيني الذي أفني الكثير من رجاله ونسائه أجمل سنوات شبابهم داخل سجون الصهاينة، فصديقي هذا اعتقل في مقتبل العشرينات ليخرج في منتصف الثلاثينات، وحتي لما خرج فهو مقيد بأرض جغرافية بعيدة عن أهله وبيته، يعيش غريبا في بلده، ويقرر أغلبهم السفر غربا بعد أن يدرك حقيقة أن السجن اتسع ليصبح وطنا.

في كل بلد عربي يوجد آلاف سامر العيساوي، قابعون خلف سجون حقيقية وأخري افتراضية سجناء أنظمة سياسية ديكتاتورية واجتماعية مستبدة، علينا أن نظهر لنا تضامنهم، ولا ننساهم، فهم الذاكرة الحقيقية لأوطاننا، فالتاريخ لن يذكر معركتي في الحصول علي الوظيفة، أو حصولي علي شقة، التاريخ سيذكر هؤلاء الذين ثاروا ودفعوا الثمن لهدم أنظمة قتلت كرامة وعقل المواطن العربي، الثورة أبدا لم تكن مؤامرة أمريكية، فالثورة حق، لأن الظلم طغي، والحق اليوم انتصر بإرادة العيساوي علي الكيان الصهيوني، وسنحتفل جميعا بخروجه في نهاية العام الحالي، الذي ربما أيضا يشهد نهاية خروج المستبدين الجدد من الربيع العربي، أو علي الأقل اهتزاز عروشهم الخاوية
.

"ولنا في سامر العيساوي قدوة...سيخرج حسن مصطفي من سجون الإخوان"