2011/05/07

مشاهد متقطعة ..وفاصل واحد




بمرور الشهر الحالي, تحل الذكرى السنوية لتخرجى من الجامعة, ذكرى عمرها عامين...عامين في محاولة الصعود لسطح الماء لاخذ نفس عميق يعينى علي البقاء تحت السطح مرة أخرى اذا تطلب الأمر , وكما هو معتاد  فالحياة العملية في قاهرة المعز ..تأخذ تدريجيا روحنا الشابه الخريجة حدثيا لتنضم إلي حظيرة الثيران الدائرين في طاحونة الحياة ...لذا  كانت الاثنا عشر ساعة الماضية الفاصل الذى جاء لينه عامين ويشحذني نفسيا وعقليا للدخول في غمار العام الثالث: فكانت رحلة لمصر القديمة، هى الأولي منذ تخرجى لتعيدنى إلي عهد ما قبل طاحونة الثيران، لأرى بعينى وقلبى وروحى  الجديد  في الحياة ....فالأفق فُتح أخيرا بعد ضيق رؤية الواقع المزدحم يوميا خلال عامين ماضيين، مشاهد مميزة اختطفت نظرى وسكنت روحى أثناء السويعات المنصرمة، أردت أن أسطرها لأذكر نفسى بها كل ما ضاقت وظننت أنها لن تُفرج .

قلعة صلاح الدين الأيوبى"القاهرة"
مغمضة العينين

في بداية اليوم انطلقنا لقلعة صلاح الدين الأيوبى حيث تحتضن في كنفها  المتحف الحربي ومسجد محمد علي  وغيرها من الآثار الاسلامية التي لم تكف بالطبع زيارتنا الأولي لنلم إلا بالقليل منها،  ولكنى اعجبت كثيرا بالمعمار والفن الاسلامي في البناء، ولكن أكثر ما أثر في، تلك اللحظة التي طلبت فيها صديقتى بسنت أن أغمض عينى لتأخذ يدى ونسير حنى نصل لذلك السور الحديدى لأفتح عينى علي القاهرة من فوق، فكانت لحظة بكر: فتحت فيها عينى علي فضاء واسع ..بشر ..معمار...طرق ..سماء ...أرض ...ممتدين علي مرمي البصر وكل ما علي أن أفعله هو فقط  أن أقف علي أطراف أصابعى رافعة رأسى، ضاربه بنظرى في أفق بعيد جميل لانهائي، بعيدا عن واقع تلامسه أطراف أصابعى معظم الوقت محاصرا اي محاولة مني للخروج بعيدا عن قواعده المعهودة .

زاوية في رحاب الله 

وفي الممشى الواقع بين جامع السلطان حسن وجامع الرفاعي ,ذكرت لي بسنت حكاية عن عالم في النانوتكنولوجي يقول أنه اثبت أن هناك طاقه ما موجودة بين الجامعين تجعل من يقع في نطاقها يستشعر بالنقاء والتطهر في روحه، فأخذتها علي انها حدوته غير علمية، وانطلقنا علي سلالم جامع السلطان حسن سابقا "الشيخ أوباما حاليا" لنستمع إلي خطبة الجمعة، وهناك كان ينتظرنا أفق آخر ممتد ولكنه روحاني، فاتجهت بظهرى علي اخر حائط مواجه للمنبر الرخامي ،متجه بنظرى الي سيدات ورجال يتعبدون ..أطفال يلهون أثناء الصلاة وبعدها ..ضحكات وصرخات طفولية تعبر عن مشاعر فورية فرحا وحزنا ..ابتهاجا وألما..سعدت بالعبادة والعمارة ..بالله وخلقه..بالدعاء قبل الصلاة.برائحة المسك في الرفاعي وشاب يقرأ القرآن في المقام...واستحضار الله في أفق آخر ممتد.

 جامع السلطان حسن
روح تطوف بالساحة

وبعد أن قضينا اليوم ننتقل بين  شوارع مصر القديمة ,اتجهنا لبيت السحيمى ,ثم جلسنا علي رصيف احد البيوت القديمة في الدرب الأصفر، حاقدين علي ساكنى هذه المنطقة التي طابع معمارها وحقبتها التاريخية، تخطفك بعيدا عن زحام القاهرة وقبح أبراجها العالية وسيارتها الفارهة المزعجة. من الايس كريم لعصير القصب حاولنا اطفاء نار الطقس المرتفعة، وبعدها توجهنا لمسجد "الحاكم بأمر الله الفاطمي " وشهدت باحة الجامع  سباق للجرى بيننا، وفي سماء الجامع طاف سرب من الحمام سبع مرات كطواف الحجاج ببيت الله الحرام..روح حرة كانت تجوب المكان ..جعلتنا نتحرك بحرية ونرى الكائنات حرة.

ومن العتمة...بدا الضو

وفي حديقة الأزهر تناولنا غداءنا, وصادف وجودنا هناك حفل اطلاق "حزب العدل " فقررنا أن ننفصل عن الرحلة وألا نذهب لشارع المعز, ومكثنا لحضور الحفل, ثم شاهدنا القاهرة  ليلا من عند أعلي مكان في الحديقة "التليسكوب"؛ بدت عروس متلئلئة، ممتدة، مبهجة، فاتنة، هكذا رأينها لا حدود لأحلامنا، ولا حدود لخيالنا، ولا حدود لأفقنا في الحياة. فالساعات القليلة الماضية كانت مخاض رأيت في بدايته أجزاء من الصورة الغير كاملة؛ لقطة من هنا، مشهد من هناك، وفي نهاية اليوم عندما أظلمت وجاءت العتمة وظننت أنى لن أرى الصورة كاملة، بدت لي في مفأجاة  أكثر من سارة، دت واضحة متكاملة متجانسة، فكل مكان زرناه في الصباح رأيته في المساء من أعلي نقطة، ورأيته أجمل من علي بعد. فالحياة  بين الحين والاخر تحتاج مسافة للحلم و الخيال وبراح تطوف به الروح الدائرة في الطاحونة, وكما قالت صديقتى "بسنت" لا بد أن يكون في هذا الفضاء مكان لنا سنأتنس به وبرفقة روح فيه.
______________________________________________________
"قلبى مليان بحكايات سأرويها"

No comments:

Post a Comment