المصادفة وحدها لعبت الدور الأكبر في محاولتي للحفاظ علي عقلي والانتهاء من
هذا الأسبوع الكارثي دون الإقدام علي إي محاولة انتحار فردي أو جماعي، فالقدر وضع
في طريقي حدثين متتابعين كانت مؤشر قوي علي فهم لماذا ضاع 16 مواطن مصري من الطبقة
"اللى كفرت بالعيشة" في هجوم رفح، بينما الجنرالات وضباطهم لم يخدشوا.
في البداية، كان حديث عادي مع ماما التي عادة ما تحب أن تقص لي حكايات عن
شخصيات تواجدوا في مرحلة سابقة من حياتها، أجدها دائما شخصيات تستحق أن توجد في
تراثنا، أناس عاديين لن يذكرهم أحد سوي والدتي ، والحديث هذه المرة تطرق إلي الست
"أم عبد الغفار" : عارفة يا بسمة ابنها كان في حرب 67، مجند رجع بيتهم
مشي!، مستغربة ولا إيه، الحرب ده كتير ماتوا فيها، وده ابنها ده كانوا افتكروه
مات، كان مذهول لما رجع، وحكي لهم علي حاجات فظيعه، أبسطها أن أضطر يشرب"
البيبي بتاعه" عشان يعيش، وده بيقول أنه شاف زمايله بيدفنوا أحياء".
انتهي الكلام علي هذا الحد، لأتوجه في اليوم التالي إلي القاهرة، والصدفة
تضع مدرس لغة إنجليزية كبير في السن معي في العربية المتجه من المنصورة، صاحب
الصوت العالي الأجش يتحدث لمدة ساعتين كاملتين بدون انقطاع، وهي طول المسافة بين
البلدين، حديث في السياسة بلا انقطاع يتطرق بشكل أساسي إلي جمال عبد الناصر
والإخوان المسلمين، هجوم ضاري علي الناصريين وزعيمهم، كلامه لم يكن اعتباطي، فتجده
يتحدث عن كتب يستند إليها في كلامه، كما يؤكد دائما علي أن الوعي هو الذي يجعلك
تطلب الحرية والديمقراطية وألا تقايضهم بالأمن والخبز.
في وسط كل حديثه الممتد مع راكبي السيارة، ذكر الكلمة التي سمعتها من
والدتي أمس "جنودنا شربوا بولهم عشان يعيشوا، وعبد الناصردخل حروب علي حساب
خزينة الدولة ودماء الشعب ده".
وساعات قليلة أصل للجريدة للعمل في سهرتي المسائية، وعقب الفطار نعلم بسقوط
مجندين علي الحدود في هجوم إرهابي دون إصابة إي ضابط أو أي رتبة أعلي في الهجوم،
ليخرج علينا بعدها رئيس البلاد يوعد ذويهم بإهداءهم الشقة وشيك بعدة آلالاف ثمن
أبناء لم تقدم لهم الدولة شئ في رعايتهم، لتأخذهم منهم وترميهم في صحراء بلا عتاد
ولا خطط ولا تدريب ولا مخابرات.
جنود ماتوا وطعام الإفطار في فيهم، وآخرين عاشوا بماء أصفر في حلوقهم، إذا
تذكرت أن الملايين خرجوا لإثناء الرئيس الهمام عن تحمل مسئوليته في قتل أبنائهم،
لكي تخرج اليوم المدعية" فريدة الشوباشي" علينا لتتبجح بمظاهرات إثناء
عبد الناصر عن قرار التنحي، مطالبة بأن نكرر فعلة أباءنا العبيد، فنحن أبناء
العبيد الذين أضاعوا علي مصر فرصة محاسبة مسؤوليها عن جرائهم في حق شعوب تولوا
أمرهم في انقلاب عسكري.
إذا أردت أن تعرف حجم الجريمة التي ارتكبها أباءنا العبيد، انظر جيدا إلي
جثث هؤلاء التي لحقت أرواحهم بإخوانهم في محمود محمود والعباسية ومجلس الوزراء،
سوف ننسي بشاعة المشهد قريبا، بأخبار القبض العشوائي لجيشنا الهمام علي الإرهابيين
في سيناء والخطة العسكرية التي ظهرت من تحت الرماد لتطهير سيناء من الإرهاب،
سننساهم بفطار المشير والرئيس في موقع الجريمة، سننسي كما نسينا الآخرين...لأننا
درسنا ناصر الزعيم، وزيفنا التاريخ ولدينا وزير دفاع قتل أو انتحر دون معرفة من
المسئول....لم نأخذ حق السابقين، ونحن اللاحقون!
No comments:
Post a Comment