2012/10/02

من خارج أسوار المدينة الصغيرة



حزمت أمتعتها و بدأت الحبو في طريقها غير المعبد، حبو أشبه بالهرولة، شغلها النظر خلفها أكثر من تطلعها إلي ما هو قادم، عصف بذهنها علي الدوام التفكير في تلك اللحظة، التي تركت فيها وسادتها وحجرتها، كتبها، أصدقائها، لحظة تركت فيها الحياة كما عهدتها واعتادتها ، إلي حياة مجهولة ترغب في اختبارها.

تمر بها الأيام، وتقابل في طريقها كل ما ينذر بسوء العاقبة: خسرت الأصدقاء واكتسبت عداوة المحيطين بها، تعمل في مكان حقير كما تراه، علاقاتها بمن تركتهم تزداد بعداً وجفاءاً، تمضي في الحياة التي اختارتها حاملة كلماته لها ونظرته فيه، تنسي كيف يراها أحيانا، ولكن في خضم ارتطامها بصخرة جديدة، ترن الحروف كجرس كنيسة في فراغ كبير، لتقول لنفسها تذكري جيداً: ستعودي يوماً مكبلة بخسارة كل شئ، لن تحققي ما أردت، لن تختلف عن الآخريات التي قبلن خيار الأهل والمجتمع والزوج والأبناء بعد ذلك، خيارات لم يصنعهن لأنفسهن، ولكن قبلهن راضيات بالحدود المرسومة سلفاً، والحياة المعدة مسبقاً.

تنظر في دفترة اليوميات ذلك اليوم، تري قائمة بأحلامها أعدتها مسبقاُ، فتجد أن تحقق منها الكثير، ولازالت ترغب في الكثير، تعد علي يدها ما مر من العمر تجد سنوات ليست بالقليلة ولا بالكثيرة، ولكنها كانت كافية لتدرك أنها مضت في طريق لم تضمن فيه أي شئ ، تسلحت بالشك في ذاتها وقرارتها في كل هزيمة مُنيت بها، لتخوضه رغماً عن أوصياء المدينة الصغيرة، تتعجب من وصولها إلي هذا الشاطئ، في استراحة محارب  تنظر إلي هدوء صفحة ماء البحر، مسترجعة معركتها في الأمواج العاتية.
 
بعد أن شغلها علي الدوام رأيه فيها، مدي فخره بنجاحها، كانت قررت الكف عن الاهتمام بما يظن فيها، فهو الذي رأها يوما  صفر من الأصفار، وغير جديرة بالحياة التي تريد اختبارها، جديرة فقط بحدود رسمتها المدينة الصغيرة له ولها، ومع هذا فعندما علمت اليوم وهي علي بعد أمتار من مدينتها الصغيرة أنه لايزال يراها كما اعتاد، سألت نفسها: هل اختبار الحياة يستحق ما خسرته في سبيلها؟

No comments:

Post a Comment