عندما تختار مهنتك، ربما يرسم لك خيالك
الواسع أنك ستكون قادر علي تخفيف آلام المستضعفين في الأرض، إذا كنت طبيبا قادرا
علي إنقاذ ساق من البتر، أو قلب من النزيف، أو إذ كنت صحفيا قادر علي تخطي الحواجز
بين معسكر الشر والخير منقبا عن الحقيقة كاشفا عنها للعامة، أو إذا كانت مسئولا في
وكالة إغاثة دولية ستحمل مئونة حاملا الأمل المتمثل في زجاجة دواء أو قطعة خبز،
وربما سيسعفك الحظ من بين كل هؤلاء لتصبح ذلك السياسي الذي فيه القرار بإيقاف
الحرب...ولكن في مخيم اليرموك لن تجدي الكلمة المكتوبة في خانة المهنة لتغيير واقع
يصبح فيه الوقوف علي قدميك إنجازا يوازي صعودك القمر من مكان آخر علي كوكب الأرض.
في بقعة الشرق الأوسط، اعتدنا الألم واعتدنا
أن نسمع عن المتألمين مع استكمال حياتنا الطبيعية، أصبح منطقنا: نحمد الله أن
بلدنا لم تقصف، ثم الرب أنقذ بلدتنا من وسط كل الخراب، وفي النهاية نتمتم بين من
تبقي من أهلنا أحياء "نحمد الله لقد كان منزلنا الوحيد المتبقي من بين كل
بيوت الجيرة"، لم نسع علي المستوي السياسي لاتخاذ القرار الذي ينقذنا من
الاقتتال والتناحر داخل البلد الواحد أو بين البلدان وبعضها البعض، وعلي مستوي
الأفراد يذهب الأغنياء فينا لرمي أموالهم علي غانيات الغرب والشرق، ونسائهم يصرفن
الثروات علي الماركات العالمية، في الوقت الذي يصبح الموت جوعا وفقرا ومرضا ماركة
مسجلة في مخيماتك يا وطن.
ولأن العجز سيد الموقف، وليس حالي كصحفية
أفضل من السياسي فيما يتعلق بإيقاف الكارثة التي تحدث علي أعتاب بلداننا
العربية...علي بعد أٌقدام عند مخيم اليرموك وفي بقاع أخري مجاورة له..سأشارككم قصة
واقعية وصلتني اليوم من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين-الأنروا
عن محاولة فاشلة لإدخال الإغاثة إلي المخيم، قصة حزينة عن كيف يلعب النظام بمعاناة
الشعب ويعرض القافلة للخطر من خلال السماح لها بالدخول من طريق الاقتتال بين
القوات الحكومية والمعارضة، وفي النهاية سيتأكد لك أن هذه المنطقة العربية سُلط
عليها حكام من جنس الأبالسة لن يتركوا الحكم طالما مازال في الجسد نفسا ولن يتركوا شعوبهم تعيش.
القصة علي لسان كريس جنيس المتحدث الرسمي
بآسم الأنروا:
كانت قافلة الإغاثة- التي حاولت دخول مخيم
اليرموك تابعة للأنروا و بقيادة موظفيها- محملة بمساعدات إنسانية من المخزن الرئيسي
للوكالة في دمشق. كانت مكونة من ست شاحنات صغيرة محملة بغذاء ل 6000 شخص إضافة إلى
10 آلاف جرعة لقاح لشلل الأطفال و مواد طبية أخرى. وفرت لنا السلطلات السورية
حراسة أمنية مكنتنا من الوصول إلى آخر نقطة تفتيش تحت سيطرة الحكومة عند المدخل
الجنوبي للمخيم. سمح للقافلة بأن تواصل سيرها لما بعد نقطة التفتيش ووفرت
لنا السلطات السورية بلدوزر لفتح الطريق و إزالة المخلفات و السواتر الترابية
وغيرها من المعوقات.
وقع إطلاق النار على البلدوزر و أصيب بطلق ناري مباشر أجبره
على الإنسحاب دون تسجيل خسائر. و تبع ذلك إطلاق نار بما فيها بالأسلحة
الأوتوماتيكية بالقرب من شاحنات الأنروا بما يشير إلى معركة. كما إنفجرت قذيفة
بالقرب من القافلة.عند هذا الحد إنسحبت القافلة لتعود
سالمة إلى دمشق متبعة نصائح المرافقة الأمنية .
لم يقع أبدا إطلاق النار على قافلة الأنروا
ولم يصب أو يجرح أي شخص من القافلة. لما سمحت السلطات السورية للإنروا بالقيام
بإيصال المساعدات إشترطت إستعمال المدخل الجنوبي للمخيم وهم ما يعني أن القافلة
كان أمامها أن تقطع مسافة 20 كيلومتر عبر منطقة من النزاع المسلح الكثيف والمتكرر
وحيث تتواجد العديد من مجموعات المعارضة المسلحة بما فيها بعض مجموعات جهادية
تشددا ذات حضور قوي و فاعل هناك.
و قد تذرعت السلطات السورية بمشاغل أمنية لعدم
السماح للأنروا بآستعمال المدخل الشمالي للمخيم الذي يقع تحت رقابة الحكومة و الذي
يعتبر عادة أكثر قابلية
للدخول مع مخاطر أقل نسبيا .
ويعتبر هذا الفشل مخيب للآمال بالنسبة لسكان
مخيم اليرموك الذي لايزال يعيش في ظروف إنسانية بائسة. و رغم هذا الفشل المحبط لم
تفقد الأنروا حماسها و هي تمارس الضغط على السلطات السورية لدعم محاولة أخرى
لإيصال المساعدات الإنسانية لمخيم اليرموك الذي يعد واحدا من ضمن العديد من المخيمات
الفلسطينية التي تعيش ظروفا قاسية للغاية مع تفاوت الدرجات
No comments:
Post a Comment