هل انتهي الأسبوع حقا؟ ولم أرتكب جريمة في
حق مواطن أو لم يرتكب مواطن جريمة في حقي خلال دورة حياة الأنثى المصرية في رحلتها
اليومية في شوارع ومواصلات القاهرة؟....أحمدك يارب!
أعتقد أنى استحق أن أختم أسبوعى الخالى من
الجرائم برواية قصة تحوى بعض الهراء غير السياسي، المنتهي دائما بالسؤال الوجودي
الأول- ثورة ده ولا انقلاب؟
كما تستحق بطلة قصتي أن أخلد ذكراها، مع
أنها لم تفعل ما سيدخلها التاريخ هي علي سبيل المثال لم تطيح برئيس منتخب، ولم تكن
رئيس منتخب لعبة في يد جماعة، ولم تنال الشرف العظيم بتقسم الشعب إلي ثمان أربع،
وكل ثمن إلي تسع أرباع آخرين...كل ما فعلته السيدة ذات العيون البنية المتسعة
والهيئة الخمسينية، أنها أعادت لي جزء من إيمان بدولتكم ووطنكم وشعبكم...في رحلتي
من الكفر إلي الإيمان مرة أخري!
عادة ما استقل المترو، وأنا في وضع حالة
الحرب: من سيتحرش، من سيسرق هاتفى أو
الحقيبة، من سيسبقني إلي الكرسي، من سيدفعني فأموت بين بابي المترو، أو تحت عجلاته،
وغالبا ما تلاقي عيناي أعين رفيقاتي في الحرب بنفس الأسئلة، متشاركين ومتضامنين في
حالة البؤس العام المطبوعة علي الوجوه، فترسم ملامح قاسية باردة متحفزة تجاه إعلان
الحرب لمجرد أن هناك تلامس بالأكتاف، عن دون قصد بين رفيقتي كفاح في صندوق التعاسة
اليومي- المسمي المترو.
وفي ذلك اليوم، جلست سيدة المترو بجواري مع
ابنتيها، وفي المحطة التالية، وجدتها تقف لتجلس سيدة أخري مكانها، وفي حالة فريدة
من تصميم كل منهم عن أن تجلس الآخر علي الكرسي، وبينما أسخر في سري من سذاجتهم،
متوقعة أن تأتي رفيقة ثالثة ستدخل من المحطة لتفوز بالكرسي بالنيابة عنهما، وجدت
سيدة المترو تقول لرفيقتها: لقد علمت بناتي أن نجلس محطتين، ثم نقوم، ونبادل
المقاعد مع الركاب الجدد، هكذا سنتحمل جميعا الطريق؟
وفي المحطة التالية، تركت مقعدي، ثم إلي
المنزل ترجلت، وأنا أفكر في كيف أن فعلا
يبدو صغيرا، تقوم به هذه السيدة، وبناتها، سيغير يوميا حياة ما لا يقل عن
خمس أفراد، سيشعرون أن كوكب الأرض مكان أكثر لطفا ورحابة، وأن جمهورية المترو
المزدحمة، ستحمل لمسات إنسانية، تجعل أرض مصر تبدو ولو زيفا "عليها ما يستحق
الحياة".
بالتأكيد إن ما تفعله سيدة المترو ليس الحل
لتخلي الدولة عن دورها في تخطيط عمراني حضاري للقاهرة يستوعب الزيادة المطردة في
السكان، ولكنه أمرا يعط للحياة المعني التي تحتاجه عندما "كل حاجة تبقي
إجابتها آه ولآ في نفس الوقت"، عندما تسقط أوراق التوت عن كل من آمنا فيهم
يوما، واعتقدنا فيهم المثل والقدوة، عندما ظننا أن الحق أحق بأن يتبع، مقولة جاءت
ثورتنا لتقدم إليها التطبيق العملي، وليس المحو الأزلي لها.
في رحلتي من الكفر بهذا الوطن، وعودتي
المحتملة إليه، واجهت هذا السؤال كل يوم منذ 28 يناير الماضي، وحتى لقائي العابر
بسيدة المترو، هل يستحق هذا الشعب أن نضحي بأعمارنا، وصحتنا، وسلامتنا العقلية من
أجله؟
وجدت ضالتي في هذا الجواب: هناك حفنة قليلة
من سكان مجرة مصر، يستحقون هذه التضحية، وهناك أشخاص رائعون يحيون بيننا، ولا نعلم
عنهم شيئا، لأن طبيعة المرحلة تعظيم وتفخيم الخسيس، وسحق الكريم، ولذا وجب التنويه
وتذكير أنفسنا أن كل منا سيجد في نفسه الخسيس والكريم وسيظل الصراع قائما، إلي أن
يحسمه إلي أحدهما، ولأن الله عادل، بقدر ما ستجد هؤلاء التي تصبح الحياة معهم علي
كوكب الأرض مستحيلة، وتصير كراهية الجنس البشري واجب وطني لا مفر منه، ستجد أنت
سيدة المترو الخاصة بك، لذا ركز جيدا، عندما تجدها، فهي تحمل إليك قصة سعيدة.
ملحوظة: لقد حاولت أن أفعل تجربة "كرسي
ومحطتين مترو" ما يقارب 5 مرات حتي الآن في مواصلات عامة والمترو، واندهشت
بعلامات الاندهاش التي حملتها وجوه رفقائي، كثير من الدعوات والابتسامات تلاحقني،
وليس في يدي شيئا سوي الدعاء إلي سيدة المترو "المسيحية" صاحبة الفضل في
هذه اللحظات من السعادة الخالصة.
No comments:
Post a Comment